الخميس، 28 أغسطس 2014

نظرة حيادية بين العلم والفلسفة.


الفلسفة هي "البحث عن العلل البعيدة للظواهر".
الكثير من الأشخاص يظنون بهذا التعريف أن الفلسفة، تبحث "فقط" في العلل التي لا صلة لها بالمجتمع، والتي لا صلة لها بالظواهر الطبيعية،   و لا صلة لها حتي بالأحداث التاريخية.
حتي أصبح الكثيرون يظنون أن الفلسفة، ضرباً من الخيال، الفيلسوف في نظر البعض هوَّ الذي يقوم بتنشيط خياله و البحث في ما وراء الوجود فقط، أو أن الفلسفة هيَّ الدين، أي البحث في وجود الله أو البحث في العلة الأولية من أجل زيادة الإيمان بالله، أو حصر الفلسفة فقط في وعاء "الميتافيزيقا".

هذا التعريف، ليس كما يظنّه البعض، ولكن القصد منِه هو التعمْق في "الواقع" وظواهره، أي التعمق في الوجود بكل ما فيه، من أجل البحث عن معني شامل لهذه العلل و حلول لهذه الظواهر، بإستخدام منهج منطقي و فلسفي. العلل البعيدة هنا، لا تعني علل ما وراء الوجود، أو العلل التي تقوم بإبعادنا عن المشاكل والأفكار التي تتصل بالواقع الذي يُحيط بنا، بل تعني إلي تعميق التفكير في هذه العِلل، البحث في ما وراء هذه العِلل، و البحث في عِلاقة الإنسان بالكون، وعِلاقته بالمُجتمع الذي يعيش فيه، وما هي المعايير التي يستخدمها الإنسان في حياته، وكيف يجب أن تكون حياته، و الفيلسوف تجده إبن عصره تماماً، ليس فقط من ناحية التيارات العلمية السائدة فيه بل من ناحية التيارات السياسية والأدبية والفنية والإجتماعية والإقتصادية، وقد تري بعض الفلاسفة لا يعتمدون علي المنهج العِلمي أو العلوم الطبيعية لتفسير بعض العِلل، و ذلك راجع إلي أن الفلسفة نجدها تتعدي حدود مجال العلوم الخاصة أو العِلوم الجُزئية، لأنها أكثر شمولية وكُليّة عنها.

إن طبيعة الفلسفة توصف بأنها كُلِّيِّة، لا بإعتبار أنها حصيلة أو حاصل جمع بعض النظريات الجزئية الخاصة التي يستقل بها العلماء التجريبيون أو غيرهم، بل بإعتبار أنها تمثل زاوية شمولية يطل منها الفيلسوف علي الوجود والحياة.
لذلك الفلسفة ليست ضرباً من ضروب الخيال، أو تأمل صوفي، فلا يمكنك أصلاً حصر الفلسفة تحت تعريف واحد أو مفهوم واحد، لأن الإنسان لا يصل إلي تحديد موضوع دراسته، وتعريفه تعريفاً شاملاً إلا بعد أن يكون قد ألمَّ بمختلف ميادينه، ولمس المشكلات التي يُعالجها، والإنسان لم يَصل إلي حد الكمال في الفلسفة بعد، ولذلك مُحاولة جمع الفلسفة تحت تعريف واحد تُعتبر نظرة غير موضوعية وسطحية للغاية.
لذلك هُناك العديد من المناهج التي تستطيع إستخدامها - علي سبيل الأمثلة و ليس الحصر - إذا أردت أن تكون مُفكراً مثالياً أو مادياً يُمكنك إستخدام الفلسفة المثالية أو الفلسفة المادية، فكما نجد العِلم يتطور، فالفلسفة أيضاً ومناهجها تتطور.
و بالتأكيد هناك الكثير من العلوم التي إنفصلت عن الفلسفة، ولكن هذا يَعني أنها إنفصلت كُليّاً عنها، فهذه العلوم مازالت تستخدم الكثير من الفرضيات الفلسفية، و نجد أن الكثير أيضاً من الفلاسفة الذين يستخدمون المناهج العلمية كما وضّحت مُسبقاً.
الفلسفة ليست عِلم و العكس صحيح، لا نستطيع أن نُقلل من إحداهما علي حِساب الآخر، ولا يُمكن أبداً أن نستغني عن إحداهما، ولكن في نفس الوقت يجب أن لا ننسي الفروقات بينهما، فنجد أن الفلسفة ليست تابعة للعلم، فالفلسفة لها ميدانها الخاص وهذا الميدان لا يُمكن لأحد أن يصل إلي حد الكمال فيه.

لستُ هنا مُدافعاً عن الفلسفة، ولا مُدافعاً عن العلم، ولكن أحاول فقط أن أنظر نظرة موضوعية وبحيادية واضحة تجاه العِلم والفلسفة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق