الخميس، 28 أغسطس 2014

تحليل مبدأ "السلطة" عند ميشيل فوكو.



نجد في المعجم الفلسفي لجميل صليبا أنّ "السلطة في اللغة، القدرة والقوة علي الشئ، والسلطان الذي يكون للإنسان علي غيره... وجمع السلطة سلطات، وهي الأجهزة الإجتماعية التي تمارس السلطة كالسلطات السياسية والسلطات التربوية والسلطات القضائية وغيرها".
فنجد من هذا التعريف أن السلطة عموماً سياسية أو غير سياسية لا تقوم إلّا في جماعة، وعلي ذلك فإن ظاهرة السلطة عموماً هي ظاهرة إجتماعية. فليست السلطة السياسية وحدها هي التي تتمتع بخاصية الإجتماعية وإنما يشاركها في ذلك السلطات القائمة في التجمعات الإنسانية الأخري. ومصادر هذه السلطة الإجتماعية متعددة كالثراء المادي والمركز الإجتماعي الذي يحتلّه شخص ما، والذي قد يكون ناتجاً عن شغله لوظيفة حكومية وقد يكون مصدر لسلطة أيضاً هو العلم والثقافة أو الفنّ، فكبار العلماء والخبراء والفنانين يتمتعون بسلطة يمكنهم بواسطتها أن يؤثروا علي سلوك الآخرين.
ونجد أن عالم الإجتماع ماكس فيبر، يعتبر العنف هو الوسيلة الطبيعية للسلطة، من حيث احتكارها وشرعنتها. وفي ذلك نجده يبحث عن أسس لهذه الشرعية، ويحددها في ثلاثة نماذج للسلطة:

أ- نموذج تقليدي يستند إلي نفوذ "الأمس الأزلي" ويتمثل في سلطة الأعراف وقداسة الإعتقاد في "السلف".

ب- نموذج السلطة الخارزماتية أو اللدنية (Charismatique) المبنية علي الاعتقاد الانفعالي في قدرات شخص استثنائي بسبب قداسته أو بطولته أو ميزاته المثالية.

جـ- السلطة القانونية المستمدة من الاعتراف بمعقولية التشريعات والقوانين.

ونجد أن هذا التصنيف الذي يقيمه "فيبر"، هو في الواقع إجابة علي أسئلة كان طرحها بخصوص السيطرة والخضوع، أي في أيّة شروط يخضع الناس وعلي أية وسائل تستند السيطرة التي تخضعهم. فالشرعية التي يبحث عنها فيبر، هي ما تبحث عنه كلّ سلطة، أي أنها تبحث عن الاعتراف بها، لا فقط بمعرفتها والتعرف عليها، بل أيضاً بتجسيدها وممارستها، بتوازنها واختلالها، بمرونتها وعنفيتها، بتخفيها وتجليها في صلب العلاقات الاجتماعية.
ويسوق في ذلك جملة من الملاحظات تتعلق بفعالية السلطة، بوسائلها وخصائصها. فمن حيث الفعالية تظهر السلطة بمظهر "غائي" حيث تتجلي قدرتها في التأثير الفعلي علي الأشخاص والوقائع. ويعتبر "فيبر" السلطة علي أنها "القدرة علي إجبار الآخرين ضمن هذا النظام أو ذاك من العلاقات بين الأفراد وبين الجماعات... أو هي الإمكانية المتاحة لأحد العناصر داخل علاقة اجتماعية معينة، يكون قادراً علي توجيهها حسب مشيئته، ولتحقيق ذلك لا تلجأ السلطة فقط إلي الاكراه والقسر، بل تستعمل وتستثمر الأعراف والطقوس والاحتفالات لتؤمن استمرارها وتجدد دورها في المجتمع، فهي تستعمل جملة من الرموز المعبرة عن وجهها المزدوج في بحثها عن الوحدة الداخلية للجماعة وفي التصدي للمخاطر الخارجية القائمة أو المحتملة. ولقد حدد "بالاندييه" للسلطة خصائص يجملها كالتالي: المحافظة، اللاتساوق، القداسة و اللّبس. فالسلطة تدعو إلي احترام القواعد وتحث علي طاعتها لتؤمن الاستقرار، وتتعرض إلي أقل ما يمكن من التحولات، ولتتقي كل أشكال الفوضي الممكنة، وهي إذ تفعل ذلك بكلّ الوسائل المتاحة لها، إنما تقوم به لتحافظ علي مراتبية اجتماعية معينة يتدخل في تحديدها "الجنس والعمر والموقع الإجتماعي والاختصاص والصفات الشخصية". أي انها تحافظ علي هرمية معينة وتعمل علي إعادة انتاج العلاقات الإجتماعية التي تولّد الهيمنات والتعبيات. هذا التفاوت واللاتساوق في العلاقات الإجتماعية يولّد قداسة كمونيّة حاضرة دوماً داخل السلطة. فـ"الفرد بمجرد أن يمارس سلطة علي الآخرين، فإنه يشعر بسموّ ذاته وأن إرادته تعلو علي إرادة الخاضعين. ويطلق "دي جوفنيل" علي هذه الحالة التي تنتاب الفرد حينما يتولي السلطة اصطلاح "الأنا الحكومية".. ومضمون فكرة "الأنا الحكومية" أن ممارسة السلطة تخلق لدي الحكّام شعوراً بالسمو، وحتي لو كان الحاكم فرداً عادياً من أفراد الشعب فإنه بعد ممارسة السلطة يتولد لديه إحساس بأنه مختلف عن أمثاله من أفراد الشعب وأنه يتمتع بإرادة من طبيعة سامية، ومن هذا أيضاً نجد أن هذا التعالي والتسامي هو الذي يولّد فعلياً الإيمان بقداسة السلطة وحتي بقداسة من يمارسونها".

- ميشيل فوكو: المعرفة والسلطة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق