الخميس، 28 أغسطس 2014

أهم خصائص التفكير العلمي في فلسفة العلم.



1- بدء البحث بشك منهجي إرادي: ويراد بهذا الشك تطهير العقل من كل ما يحويه من أفكار سابقة حول الموضوع الذي يخضع للدراسة، هذا الشك عنصر من عناصر اليقين، يمكّن الباحث من أن يحتفظ بحرية ذهنه كاملة، ويحرره من ضغط الأفكار الخاطئة التي تستبد بتفكيره، وتعوق إنطلاق عقله.

2- إستقاء الحقائق من التجربة وحدها: فالعلم يبحث في ظواهر جزئية تخضع لحواسنا، وبمنهجه الإستقرائي ترتبط هذه الوقائع بعلاقات عليِّة ثابتة، والتثبت من نتائج هذه المعرفة العلمية إنما يكون بالرجوع إلي الواقع، أي بإستيفاء التجربة الحسية وحدها.
و منهج البحث العلمي يحذر من الأخذ بحقيقة يتلقاها عن غيره، إلا إذا قام بتمحيصها بنفسه ما أمكنه ذلك، أو وثق بصاحبها وكانت الحقيقة لا تدخل في إختصاصه. إن شهادة الغير كثيراً ما يفسدها إفتقارهم إلي دقة الملاحظة وسداد التفكير، أو التسرع في إصدار أحكام لا تبررها مقدمات، أو تَحَيُّزهم إلي رأي دون رأي... أو غير ذلك مما يشوّه الحقائق.

3- التسليم مقدماً بمبادئ الحتمية والجبرية (في غالبية الظواهر وليس جميعها): فالظواهر يتحتم وقوعها متي توافرت أسبابها، ويستحيل أن تقع مع غياب هذه الأسباب، وهذه الإستحالة هي ما يسمي بالضرورة، فإذا ثار بركان وأقي بحِمَمه، دلَّت هذه الظاهرة علي توافر أسباب أحدثتها، وهي أسباب طبيعية لا ترجع إلي قُوي خفية أو غيبيات يتعذر التثبت منها بالخبرة الحسية. ومتي توفرت علل ظاهرة، تيسر التنبؤ بوقوعها مقدماً، وهذا التنبؤ هو طابع العلم و روحه، وهو وليد إطّراد العلاقات بين الظواهر، وهو يشهد بأن وقوع الحوادث في نظر العلم ضروري وليس ممكناً أو محتملاً.

4- النزوع إلي التكميم: أي تحويل الصفات والكيفيات إلي مقادير كمية، فإذا عرض الباحث لدراسة الضوء أرجعه إلي طول الموجات وقصرها، وإذ درس الصوت ردّه إلي سعة الذبذبة، وإذا بحث في الحرارة حوّلها إلي موجات حرارية، أو نظر في اللون أحالها إلي موجات ضوئية يحدثها... وهلم جرّا؛ وبهذا يتيسر للباحث أن يعبر عن الخواص الكيفية بمقادير كمية، من أجل هذا كلف العلم بالقياس والوزن، واختُرِعت تيسيراً لأبحاثه آلات وأجهزة تساعد علي تحقيق هذا العرض.

5- إلتزام الموضوعية: ويراد بها إقصاء الخبرة الذاتية لمعرفة الأشياء كما هي في الواقع، وليس كما يشتهي الباحث ويتمني، وفي هذا يختلف العلم عن الفن في كل صوَره، لأن الخبرة الذاتية أساس الفنون والآداب، فالفنان ينظر إلي الشئ الذي يصوره -إن كان مصوراً- أو ينظمه -إن كان شاعراً- من خلال عواطفه وأحاسيسه وإنفعالاته وأخيلته، أما العالم فإن منهجه العلمي يقتضيه أن ينظر إلي موضوع بحثه كما هو في الواقع، إن الفنون ابتداع ذهني تلقائي، وأما العلم فيقوم علي وصف الأشياء وتقرير حالتها كما هي في الواقع، والشخصية الفردية في الفن تحتفظ بذاتها علي مر الزمان، ومن هنا قيل في التفرقة بين شخصية الفنان وشخصية العالم: الفن أنا والعلم نحن! فيما يقول "كلود برنار"، فإذا عرض لدراسة موضوع واحد مجموعة من العلماء، انتهوْا في آخر المطاف إلي نتائج واحدة، وإختلف بعضهم مع بعض حسموا الخلاف بالإلتجاء إلي الواقع، ومحك الصواب عندهم هو "التجربة" التي يمكن تكرار إجرائها -للتثبت من صحة النتائج- بطريقة موضوعية خالصة، أما في حالة الفن فإن المنظر الواحد يصوره الفنانون أو الشعراء في صورٍ شتي أو قصائد متباينة، بمقدار ما يكون بينها من تفاوت وتباين، ويمكن أن تكون عبقرية كل من أصحابها.

6- الحاجة إلي الثقافة الواسعة: بمعني أن يقف العالم علي كل ما يعنيه علي فهم موضوعات علمه، فالطبيب لا يكفيه أن يُلمَّ بعلم الأحياء، وإنما يتعين عليه أن يزاول علمي الكيمياء والطبيعة معاً، ويتعمق دراسة علم النفس، ومن أجل هذا عمدت كليات الطب إلي تدريس علوم مختلفة مساعدة للطب في سنة إعدادية! وبسبب هذا أيضاً ظهرت أكثر مكتشفات العلم علي أيدي شيوخ طاعنين في السن، مثل (داروين - لامارك) ومن إليهما، بل إن "كلود برنار" يوصي من يُعِدّ نفسه لأن يكون عالماً، بأن يتزود بثقافة واسعة في فلسفة العلم

نبذة عن نشوء الفلسفة الماركسية.



"إن الأهمية التاريخية العالمية لنشوء الفلسفة الماركسية هي، بالتالي، في كونها حملت النصر النهائي للإتجاه المادي العلمي الوحيد في الفلسفة وخلقت شكلاً أرقي من المادية هو المادية الديالكتيكية.
إن مادية ما قبل عصر ماركس لعبت دوراً عظيماً في النضال ضد المثالية الفلسفية -التي تقول بأسبقية الفكر علي المادة- واللاهوت وفي الدفاع عن مواقع العلم. ولكن ضيق أفقها التاريخي اعاقها عن ربح المعركة الحاسمة ضد المثالية وعن تأكيد مبادئ المادية تأكيداً نهائياً.
وثمة أهمية خاصة في إنتصار أفكار التطور في علم الطبيعة ساعدت علي إنتصار الفلسفة المادية، تعود لإكتشافات ثلاثة عظيمة في علم الطبيعة: اكتشاف الخلية النباتية والحيوانية وقانون حفظ وتحول الطاقة ونظرية داروين عن منشأ وتطور أجناس النبات والحيوان. فلقد أظهرت هذه الإكتشافات الطابع الديالكتيكي لتطور الطبيعة. وبالإستناد إلي تطور علم الطبيعة تغلَّب ماركس وإنجلز علي ضيق الأفق الميتافيزيقي الذي عانت منه المادية القديمة، وأعطيا المادية طابعاً ديالكتيكياً.
وكان هذا إنتصاراً عظيماً في تاريخ الفكر الإنساني: فقد نشأت نظرية فلسفية تعالج الطبيعة كلها من مظاهرها البسيطة إلي مظاهرها المعقدة ككل موحّد وتفسر علمياً كل العمليات والظواهر بالتطور القانوني للمادة وإنتقالاتها الذاتية من حالة إلي أخري، من أشكال أدني إلي أشكال أرقي. وعني هذا إنهزام المثالية الفلسفية التي كانت تعيش عيشة طفيلية علي حساب بعض مسائل العلم.
ولقد عبَّر ماركس عن الخاصة الحاسمة في المادية الديالكتيكية والتاريخية في احدي المشروعات المبكرة لنظريته الجديدة في "موضوعات عن فيورباخ":
"إن الفلاسفة اكتفوا بتفسير العالم بصور مختلفة، ولكن القضية هي في تبديله".
وظهر في عام 1848 "بيان الحزب الشيوعي"، الذي كتبه ماركس وانجلز بطلب من اتحاد الشيوعيين. ويتضمن هذا المؤلَّف الشهير، ليس فقط أول منهاج علمي للحزب الشيوعي، وإنما يعرض أيضاً النظرة الجديدة إلي العالم التي صاغها ماركس وإنجلز.
وقبل ذلك كانت الفلسفة بعيدة عن الشعب، عن منتجي الخيرات المادية الذين كان عملهم. في جميع العصور أعمق أساس للتقدم الإجتماعي. أضف إلي ذلك أن أغلب نظم الفلسفة، كانت تري في عمل الجماهير الشعبية أقل أشكال النشاط الإنساني خصوبة في مجال تطور المجتمع.
وها قد حلَّت اللحظة التي هبطت فيها الفلسفة من السماء إلي الأرض. لقد أكَّدت الفلسفة الماركسية أن الدور الحاسم في حياة المجتمع هو دور عمل الجماهير الشعبية. وقد أعلنت، علي عكس التقاليد المثالية، أن أناس العمل بالذات "هم ملح الأرض". وبيّن ماركس في مقالته "نحو نقد فلسفة الحق الهيجلية" عدم ثبات المثالية الفلسفية والفهم المثالي للتاريخ. وينادي بالدور التاريخي العالمي للبروليتاريا بإعتبارها القوة الوحيدة القادرة علي منح الحرية للإنسانية الشغيلة كلها".

- المادية الديالكتيكية: تأليف جماعة من الأساتذة السوفييت.

خصائص الفلسفة الصوفية.


الفلسفة الصوفية، في كل العهود وفي كل أنحاء العالم، تتميز بمعتقدات، نستعرضها في ما يلي:

1- الإعتقاد في الإدراك مقابل المعرفة التحليلية، والإعتقاد في الحكمة، في الفجائية، في الاختراق، والتي تتعارض مع الدراسة البطيئة المتأنية للمظهر الخارجي بواسطة علم يعتمد كُليَّةً علي الحواس. كل من بمقدورهم استقبال الإدراك بعاطفة داخلية لابد وأنهم قد خبروا في أوقات معينة الإحساس الغريب بعدم حقيقة الأشياء المعتادة، فقدان الإتصال بالحياة اليومية، حيث يضيع فيها تماسك العالم الخارجي وتبدو معه الروح في وحدة مطلقة، وتُخرج للوجود من أعماقها الخاصة تلك الخيالات المجنونة الرائعة التي تظهر حقيقة ومشتعلة و حيّة.

2- الإدراك الصوفي العميق يبدأ بإحساس انكشاف الغموض، بالحكمة المتوارثة التي تصبح الآن وبصورة فجائية أقرب للتأكيد دون احتمال للشكِّ. الإحساس باليقين والإلهام يبدآن مبكراً عن أي اعتقاد مؤكد. المعتقدات المؤكدة التي يصل إليها الصوفي هي نتيجة التأمل في الخبرة الفكرية التي يكتسبها في لحظة الإشراق.
وتكون النتيجة الأولي والمباشرة للحظة الإشراق هي الإعتقاد في إمكانية وجود طريقة أُخري للمعرفة يمكن أن تسمي بالحوي، اليقين أو الحدس (والحدس هو شعور وجداني أو باطني بالمعرفة)، في مقابل الحاسة والعقل والتحليل، والتي ينظر إليها علي أنها الدليل الأعمي الذي يقود إلي الوهم. يرتبط بهذا الإعتقاد بشدة تصور وجود حقيقة وراء عالم الظاهر تختلف تماماً عنه. هذه الحقيقة ينظر إليها بإعجاب عادةً ما يقترب إلي حد العبادة، إذ عادةً ما يوجد إحساس دائم وفي كل مكان أنها في متناول قبضة اليد، رغم أنها محتجبة وراء الظلال الرقيقة للحواس لكنها متاحة للعقل القابل لإستقبالها فتشرق بكل عظمتها علي الرغم من محدودية الإنسان؛ فالشاعر والفنان والعاشق، كلهم يسعون وراء هذه الروعة، إنه الجمال الآسر الذي يلهثون خلفه في الضوء الخافت لنوره، ولكن الصوفي يعيش في النور الساطع للرؤية، فما يسعي الآخرون في طلبه، يعرفه هو معرفة يُعد كُلَّ ما عداها جهلاً.

3- الخاصية الثالثة للصوفية: هو إعتقادها في التوحّد و رفضها القبول بالإنقسام أو التجزء والتعارض في أي شئ.

4- الخاصية الرابعة: هي إنكار حقيقة الزمن. ويُعَدُّ ذلك نتاج لإنكار الإنقسام، فإذا كان الكل واحداً، فالتفرقة بين الماضي والمستقبل لابُدَّ وأنها وهمية.
5- آخر عقائد الصوفية التي يجب النظر إليها بعين الإعتبار: هي الإعتقاد في أن كل الشر ما هو إلا مجرد مظهر، مجرد وهم نتج عن الإنقسامات والتعارضات للعقل التحليلي. الصوفية لا تؤمن بأن القسوة علي سبيل المثال خير، ولكنها تنكر أنها حقيقية، فهي تنتمي لذلك العالم الأدني من الأشباح الذي يجب أن نتحرر منه بالإدراك العميق.

وفي النهاية نجد أن ما يعد مميزاً لأخلاق الصوفيين هو غياب القنوط أو الاعتراض عندهم، فهم يقبلون بغبطة عدم الإعتقاد في الحقيقة النهائية بالإنقسام إلي معسكرين متضادين، هما الطيب و الخبيث. هذا السلوك هو النتاج المباشر لطبيعة الخبرة الصوفية؛ فإحساسها بالوحدة يرتبط به إحساس بالسلام يُنتج، كما تؤدي الأحاسيس في الأحلام، النظام الكامل للعقائد المتصلة التي تُشكل جوهر العقيدة الصوفية. ولكن هذا الإفتراض صعب، ولا يمكن أن نأمل في موافقة البشر عليه.

منهج العلوم الرياضية تبعاً لفلسفة الرياضيات.


 
 يجب أولاً أن نبدأ بتعريف القياس الصوري المستخدم في الرياضيات البحتة: علي انه هو كل قول يتألف من قضيتين (أو أكثر) متي سلّمنا بصحتهما لزم عنهما بالضرورة قضية ثالثة. وكانت غاية القياس الصوري هي الإستنباط الصادق أو عدم تناقض الفكر مع نفسه، لأن نتائجه تكون صادقة بالقياس إلي المقدمات لا بالقياس إلي الواقع.
و يعنينا من هذا المنهج القياسي الرياضي أن صاحبه يبدأ من مسلمات، وهي إما بديهيات أو مصادرات؛ فأما البديهيات أو الأوليات (Axioms) فهي قضايا بديهية واضحة بذاتها لا تقبل برهاناً، لأن من يعرف معاني حدودها، يُسلم بصحتها دون حاجة إلي دليل، وهي تدرك برؤية مباشرة أي بالحدس، أو عن طريق الخبرة الحسية أو عن طريق التفكير الإستنباطي العقلي، وهي أولية فطرية، كالبديهية المنطقية التي تقول إن الشئ لا يمكن أن يكون موجوداً أو غير موجود في آنٍ واحد، أو التي تقول إن الكل أكبر من جزئه، وكالبديهية الرياضية التي تقول إن المساويين لثالث متساويان... إلخ.
أما المصادرات فهي قضايا يفترض العالم صحتها منذ البداية مجرد إفتراض، بشرط ألا يعود فيفترض صدق نقيضها، لأن النقيضين لا يصدقان معاً؛ وإذا كان إنكار البديهية يؤدي إلي تناقض، فإن إنكار المصادرة لا يوقع في التناقض، إلي جانب أن المصادرة لا ينشأ اليقين فيها من أنها واضحة بذاتها، بل لأنها فروض قد افترض الباحث صحتها منذ البداية مجرد إفتراض، لمنفعتها أو لأنها لا تسْلم إلي تناقض، كأنما كان الرياضي يتقدم منذ البداية بطلب يقول فيه: سلِّمْ معي منذ البداية بكذا وستري أنك مضطر منطقياً إلي التسليم بكل ما أستنبطه من هذه البداية المفترضة. فالمصادرات مجرد فروض يسلم العالم بصحتها منذ البداية بغير برهان علي صوابها -بعكس الفروض في العلوم التجريبية، لأن هذه لا تكون صادقة إلا بعد التثبت من صوابها بالخبرة الحسية- ومن مصادرات إقليدس: كل الزوايا القائمة متساوية، الخطان المستقيمان يتقاطعان في نقطة واحدة إلخ..
ولكن غير إقليدس من العلماء قد يفترض صحة مصادرات مختلفة أخري، دون أن يكون موضع اعتراض من أحد، طالما كان لا يناقض نفسه.
ولكن المحدثين من الرياضيين لا يقيمون وزناً للتفرقة السالفة بين البديهية والمصادرة، لأن الذي يعني العالم أن كليتهما قضية مسلمة، وهما يقومان بدور واحد كنقطة بدء يقينية، ومن ثم تتيح للعالم أن يقيم علماً متسقاً منتجاً. وذلك إنما يكون عن طريق الإستنباط العقلي من هذه المقدمات، فيصل متدرجاً إلي نتائج هذه النظريات وتكون النظريات -في العلوم الصورية كالرياضة والمنطق- صادقة بالقياس إلي مقدماتها المفترضة وليس بالقياس إلي الواقع، كما هو الشأن في قوانين العلم التجريبي الواقعي، ومن أجل هذا كله قيل إن العلوم الرياضية علوم فرضية صورية إستنباطية.

تحليل مبدأ "السلطة" عند ميشيل فوكو.



نجد في المعجم الفلسفي لجميل صليبا أنّ "السلطة في اللغة، القدرة والقوة علي الشئ، والسلطان الذي يكون للإنسان علي غيره... وجمع السلطة سلطات، وهي الأجهزة الإجتماعية التي تمارس السلطة كالسلطات السياسية والسلطات التربوية والسلطات القضائية وغيرها".
فنجد من هذا التعريف أن السلطة عموماً سياسية أو غير سياسية لا تقوم إلّا في جماعة، وعلي ذلك فإن ظاهرة السلطة عموماً هي ظاهرة إجتماعية. فليست السلطة السياسية وحدها هي التي تتمتع بخاصية الإجتماعية وإنما يشاركها في ذلك السلطات القائمة في التجمعات الإنسانية الأخري. ومصادر هذه السلطة الإجتماعية متعددة كالثراء المادي والمركز الإجتماعي الذي يحتلّه شخص ما، والذي قد يكون ناتجاً عن شغله لوظيفة حكومية وقد يكون مصدر لسلطة أيضاً هو العلم والثقافة أو الفنّ، فكبار العلماء والخبراء والفنانين يتمتعون بسلطة يمكنهم بواسطتها أن يؤثروا علي سلوك الآخرين.
ونجد أن عالم الإجتماع ماكس فيبر، يعتبر العنف هو الوسيلة الطبيعية للسلطة، من حيث احتكارها وشرعنتها. وفي ذلك نجده يبحث عن أسس لهذه الشرعية، ويحددها في ثلاثة نماذج للسلطة:

أ- نموذج تقليدي يستند إلي نفوذ "الأمس الأزلي" ويتمثل في سلطة الأعراف وقداسة الإعتقاد في "السلف".

ب- نموذج السلطة الخارزماتية أو اللدنية (Charismatique) المبنية علي الاعتقاد الانفعالي في قدرات شخص استثنائي بسبب قداسته أو بطولته أو ميزاته المثالية.

جـ- السلطة القانونية المستمدة من الاعتراف بمعقولية التشريعات والقوانين.

ونجد أن هذا التصنيف الذي يقيمه "فيبر"، هو في الواقع إجابة علي أسئلة كان طرحها بخصوص السيطرة والخضوع، أي في أيّة شروط يخضع الناس وعلي أية وسائل تستند السيطرة التي تخضعهم. فالشرعية التي يبحث عنها فيبر، هي ما تبحث عنه كلّ سلطة، أي أنها تبحث عن الاعتراف بها، لا فقط بمعرفتها والتعرف عليها، بل أيضاً بتجسيدها وممارستها، بتوازنها واختلالها، بمرونتها وعنفيتها، بتخفيها وتجليها في صلب العلاقات الاجتماعية.
ويسوق في ذلك جملة من الملاحظات تتعلق بفعالية السلطة، بوسائلها وخصائصها. فمن حيث الفعالية تظهر السلطة بمظهر "غائي" حيث تتجلي قدرتها في التأثير الفعلي علي الأشخاص والوقائع. ويعتبر "فيبر" السلطة علي أنها "القدرة علي إجبار الآخرين ضمن هذا النظام أو ذاك من العلاقات بين الأفراد وبين الجماعات... أو هي الإمكانية المتاحة لأحد العناصر داخل علاقة اجتماعية معينة، يكون قادراً علي توجيهها حسب مشيئته، ولتحقيق ذلك لا تلجأ السلطة فقط إلي الاكراه والقسر، بل تستعمل وتستثمر الأعراف والطقوس والاحتفالات لتؤمن استمرارها وتجدد دورها في المجتمع، فهي تستعمل جملة من الرموز المعبرة عن وجهها المزدوج في بحثها عن الوحدة الداخلية للجماعة وفي التصدي للمخاطر الخارجية القائمة أو المحتملة. ولقد حدد "بالاندييه" للسلطة خصائص يجملها كالتالي: المحافظة، اللاتساوق، القداسة و اللّبس. فالسلطة تدعو إلي احترام القواعد وتحث علي طاعتها لتؤمن الاستقرار، وتتعرض إلي أقل ما يمكن من التحولات، ولتتقي كل أشكال الفوضي الممكنة، وهي إذ تفعل ذلك بكلّ الوسائل المتاحة لها، إنما تقوم به لتحافظ علي مراتبية اجتماعية معينة يتدخل في تحديدها "الجنس والعمر والموقع الإجتماعي والاختصاص والصفات الشخصية". أي انها تحافظ علي هرمية معينة وتعمل علي إعادة انتاج العلاقات الإجتماعية التي تولّد الهيمنات والتعبيات. هذا التفاوت واللاتساوق في العلاقات الإجتماعية يولّد قداسة كمونيّة حاضرة دوماً داخل السلطة. فـ"الفرد بمجرد أن يمارس سلطة علي الآخرين، فإنه يشعر بسموّ ذاته وأن إرادته تعلو علي إرادة الخاضعين. ويطلق "دي جوفنيل" علي هذه الحالة التي تنتاب الفرد حينما يتولي السلطة اصطلاح "الأنا الحكومية".. ومضمون فكرة "الأنا الحكومية" أن ممارسة السلطة تخلق لدي الحكّام شعوراً بالسمو، وحتي لو كان الحاكم فرداً عادياً من أفراد الشعب فإنه بعد ممارسة السلطة يتولد لديه إحساس بأنه مختلف عن أمثاله من أفراد الشعب وأنه يتمتع بإرادة من طبيعة سامية، ومن هذا أيضاً نجد أن هذا التعالي والتسامي هو الذي يولّد فعلياً الإيمان بقداسة السلطة وحتي بقداسة من يمارسونها".

- ميشيل فوكو: المعرفة والسلطة.

نبذة عن مشروع فلاسفة.


إننا عندما ندعو إلي التنوير، لا نقصد بهذه الدعوة أن نتمسك بتراث الفلاسفة التنويريين متوهمين أن المستقبل متي جاء علي صورة الماضي، أمكن لنا أن "نزيل كبوتنا" ونحقق نهضتنا، فمثل هذا الموقف الذي يُضفي علي التراث التنويري قداسة ما بعدها قداسة ويحيله في نهاية المطاف من تراث بشري إلي أسطورة جامدة متحجرة قد تدفع البعض إلي تقليده تقليداً تاماً أو تحويله إلي "دوجما" مقدسة.
ولكننا لا نري ذلك، إننا نري ان التنوير ليسه له صيغة واحدة ثابتة لا تتغير بتغير العصور والشعوب، فالتنوير لا يمكن أن يتحول إلي دوجما أو كيان بعيد كل البعد عن المرونة ومتطلبات الواقع المعاش، ومن ثم فإن التنوير -تبعاً لنا- لا يستورد كما تستورد الأجهزة العلمية والإبتكارات التكنولوجية، بل أنه يخضع لعملية معقدة من التفاعل والمعايشة والصراع والتمثل والإبداع، فالتنوير لا يُفرض من الخارج علي نحو قسري كما أنه لا ينقل من مجتمع إلي آخر كما تُنقل بقية السلع والخدمات. وهو لا يكتسب معناه أو دلالته بمعزل عن طبيعة كل شعب وكل عصر، ولو أدركنا التنوير علي هذا النحو، كنا قد حررنا معناه من الإرتباط بحضارة معينة أو شعب معين، فلكل الحق في التنوير بالصورة التي يراها أكثر توافقاً معه من غيرها من الصور.
والحق إن فلسفة التنوير لدينا ليست أسطورة مقدسة؛ بل تعرضت للعديد من الإنتقادات، نذكر منها علي سبيل المثال: نقد "هيجل"؛ فقد كان أنصار الثورة الفرنسية يقولون أنها تمثل تحرير العقل من أوهام الإستبداد، وتعني بإنتصار الإنسانية جمعاء، لكن التجربة أكدت بعد سنوات قليلة أن الدعوة باطلة، إذ كان علي الثوريين أن يحرروا العقل بقوة السلاح ولجأوا إلي إرهاب فاق تعسف الإستبداد التقليدي كما اضطروا إلي استغلال البلاد التي احتلوها ليمولوا حروبهم التوسعية، وبذلك انقلب حكم العقل إلي إرهاب في الداخل واستغلال في الخارج. ومن هنا فإن فلاسفة ألمانيا الكبار من "فختة إلي هيجل" عاشوا هذه التطورات. صفقوا لإندلاع الثورة وإعلان حقوق الإنسان ثم عارضوا الإرهاب وحروب "نابليون" التوسعية. ومن ثم ذهب "هيجل" إلي القول بأن دعوة فلسفة التنوير للعقل وإن كانت ضرورية، لكن العقل في مفهومها كان مجرداً وفارغاً من أي مضمون؛ صحيح صحة تامة مادام مجرداً، أما إذا طُبْق علي الواقع فإنه يعطي الدليل الفوري علي عجزه، لأن المجرد لا يعطي مقياس للتعامل مع الواقع وهكذا ينشأ الإرهاب، فالإرهاب هو ارتطام العقل المجرد بالواقع المحسوس. ومن ثم بدت طموحات وأفكار عصر التنوير مجردة في طبيعتها وصميمها، وبدلاً من اكتشاف العقلانية الكامنة في العملية التاريخية، اتجه فلاسفة التنوير إلي وضع نظام عقلي مثالي بديلاً للعالم الواقعي.

فعلينا، هاهنا، أن نأخذ الواقع المتمثل أمامنا، والظروف التي تحيط بنا، أساساً للتقدم عبر القراءة الواعية، مضموناً للفكر عبر النقد والتمحيص، فإننا عندما ندعو للعقل فإننا ندعو إلي مراجعة شاملة لكل حيثيات الثقافة التي ورثناها سلفاً، بدايةً من المقدسات والمحرمات المتعالية إلي الأفكار العادية البسيطة التي يتعامل بها رجل الشارع البسيط؛ وبهذا يكون التنوير، بهذه الإنتقادات والتمحيصات نجد أنفسنا قد هدمنا الخرافات، وحررنا أنفسنا من القيود التي كبْلتنا، والديكتاتوريين الذين ساروا فوق أكتافنا -بإستغلالهم جهل العامة و إحتياجاتهم الطبيعية- مراراً و تكراراً؛ بعد أن مهْدنا لهم الطريق بكل سهولة. علينا أن نأخذ إحتياطاتنا هذه المرة، فلا بأس من الخطأ لأن التجربة هي خير مُعلْم، وأن نسير نهج المفكرين الأحرار الذين لا يخضعون إلا لسلطة العقل الحيّ النابض بالأفكار الحاضرة والمستقبلية، نُقدْم الواقع علي الفكر، ونأخذه -بكل ما فيه- معياراً-وليس نموذجاً- للحكم، فمادام الواقع توافق مع العقل، ومادمنا قد هدمنا الأفكار الغيبية والخرافية التي كبْلتنا، ومادمنا قد حررنا أنفسنا بالعلم المنهجيّ والعقل المادي، فإننا هاهنا قد وصلنا إلي ما أردناه، وهذا ما نقصد به من التنوير، وهذا ما ينبغي عليه أن يكون، كما نعتقد.

نبذة بسيطة عن المعتزلة.


-لِمَ سموا معتزلة؟
كان واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد من تلامذة الحسن البصري، ولما أحدثا مذهبا وهو أن الفاسق ليس بمؤمن ولا كافر، إعتزلا حلقة الحسن البصري وجلسا ناحية في المسجد فقال الناس: انهما اعتزلا حلقة الحسن البصري فسموا معتزلة. لذلك قال "القاضي عبد الجبار" وهو رئيس المعتزلة: كلما ورد في القرآن من لفظ الإعتزال فإن المراد منه الإعتزال عن الباطل.

(فِرَق المعتزلة):
اعلم انهم سبعة عشر فرقة:

الفرقة الأولي: الغيلانية:
أتباع غيلان الدمشقي. وهؤلاء يجمعون بين الاعتزال والارجاء. وغيلان هذا هو الذي قتله هشام بن عبد الملك سابع خلفاء بني مروان.

الفرقة الثانية: الواصلية:
اتباع واصل بن عطاء الغزال، وهو أول من قال: إن الفاس ليس بمؤمن ولا كافر ولا مشرك. ومن مذهبهم أن عليا وطلحة لو شهدا في شئ واحد فشهادتهما غير مقبولة. وان شهد فيه كل واحد منهما مع شخص آخر فشهادته مقبولة.

الفرقة الثالة: العمرية:
اتباع عمرو بن عبيد. ومن قولهم ان شهادة طلحة والزبير غير مقبولة بوجهٍ ما.

الفرقة الرابعة: الهذيلية:
اتباع ابي الهذيل. ومن مذهبهم ان خالقية الله قد انتهت إلي حد لا يقدر أن يخلق شيئاً آخر.
*
الفرقة الخامسة: النظامية:
أتباع ابراهيم بن سيار النظام. ومذهبهم ان العبد قادر علي اشياء لا يقدر الله علي خلقها. والإجماع وخبر الواحد والقياس ليس بحجة عند هؤلاء.

الفرقة السادسة: الثمامية:
اتباع ثمامة بن أشرس. وكان في زمن المأمون، ومن مذهبهم أن الفعل يصح من غير الفاعل.

الفرقة السابعة: البشرية:
اتباع بشر المعتمر وعندهم ان اللطف غير واجب علي الله.

الفرقة الثامنة: المعمرية:
اتباع معمر بن عباد السلمي. وهم يثبتون النفس الناطقة كما هو مذهب الفلاسفة. ويثبتون في الجسم معاني غير متناهية.

الفرقة التاسعة: المزدارية:
اتباع ابي موسي بن عيسي بن مسيح المزدار. وهو تلميذ بشر وأستاذ جعفر الحرث، وجعفر بن المبشر.

الفرقة العاشرة: الهشامية:
اتباع هشام بن عمرو القوطي. وقد كان يمنع من قول: حسبنا الله ونعم الوكيل. لأنه لا يجوز اطلاق اسم الوكيل علي الله.

الفرقة الحادية عشر: الجاحظية:
اتباع عمرو بن بحر الجاحظ. ومن قولهم ان المعارف ضرورية.

الفرقة الثانية عشر: الكعبية:
اتباع ابي قاسم الكعبي، وهم يقولون ان الله تعالي ليس سميعا ولا بصيرا ولا مريدا.

الفرقة الثالثة عشر: الجبائية:
اتباع ابي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي. ومن مذهبهم أنه يجوز ان يكون العرض الواحد في حالة واحدة موجوداً ومعدوماً. وألزموا هذا في القرآن.

الفرقة الرابعة عشر: البهشمية:
اتباع ابي بهشم عبدالسلام بن أبي علي الجبائي. وهم يثبتون الحال. ويجوزون ان يعاقب الله تعالي العبد من غير أن يصدر عنه ذنب.

الفرقة الخامسة عشر: الأحشدية:
اتباع احشد بن أبي بكر. وهم يكفرون أبا هاشم وأتباعه.

الفرقة السادسة عشر: الخياطية:
اتباع ابي الحسن عبد الرحيم الخياط. وهم يقولون ان الجسم في العدم جسم حتي انهم لزموه ان يكون ركاباً فرساً معدوماً.

الفرقة السابعة عشر: الحسينية:
اتباع ابي الحسن علي بن محمد البصري. وهو تلميذ القاضي عبد الجبار، ثم خالفه ونفي الحال والمعدوم والمعاني وجوز كرامات الأولياء ونفي المريدية عن الله.

المصدر: - فخر الدين الرازي: إعتقادات فرق المسلمين والمشركين.

فرضية الزومبي الفلسفي (فرضية الأحياء الأموات).


فرضية الزومبي الفلسفي (فرضية الأحياء الأموات):

الزومبي الفلسفي: في فلسفة العقل والإدراك هو كائن إفتراضي لا يمكن تمييزه فسيولوجياً عن البشر العاديين بإستثناء أنه لا يحمل الخبرة الواعية أو الإحساس الذاتي. علي سبيل المثال: بإمكانك طعن الزومبي بآلة حادة وستجد أنه لن يشعر بأي ألم، ولكن ستجده يتصرف تماماً كما لو أنه يشعر بالبشر (فقد تكون لديه نفس التعبيرات البشرية عند الشعور بالألم، و قد يقول لنا أنه في ألم شديد).
فهو اذاً افتراض للوصول إلي حل مشكلات الوعي المتّصل بالعالم المادي. معظم الفلاسفة لا يوافقون علي وجودهم، ولكن نسبة منهم يعتقدون بوجود هذا الكائن الإفتراضي، وإليك هذا المفهوم الرئيسي: تخيل أن هذا الزومبي الفلسفي موجود في حياتك ويواجهك طوال الوقت ولكنه مثل الأشخاص في ألعاب الفيديو الذين لا يمتلكون وعياً ذاتياً. يتحدثون وكأن لديهم وعي، ولكن في الحقيقة ليس لديهم وعي ذاتي.

تُستخدم فكرة "الزومبي الفلسفي" في العديد من الإختبارات الفكرية أو تجارب الفكر thought experiments، لدعم العديد من الحجج التي تعارض المذهب الفيزيائي للعالم وأيضاً المذهب المادي والسلوكي والوظيفي. فالمذهب الفيزيائي يقول بأن جميع جوانب الطبيعة البشرية يمكن تفسيرها بوسائل علمية مادية: علي وجه التحديد؛ جميع جوانب الطبيعة البشرية والإدراك يمكن أن يتم تفسيرهم عن طريق الناحية العصبية الحيوية. وبهذا يقول فيلسوف العقل "ديفيد تشالمرز" يقول بأن إفتراض "الزومبي الفلسفي" هو دحض لهذا المذهب، بحيث أنه ليس كل شئ يتم تفسيره عن طريق الوسائل المادية، فالزومبي متشابه مع بقية البشر من الناحية الفسيولوجية ولكنه مع ذلك لا يمتلك وعياً ذاتياً أو إدراكاً أو شعوراً بالألم.

وفي النهاية نجد ان الفلاسفة الذين يُساندون افتراض (الزومبي الفلسفي) يتبعون "الحجة المعقولية" التي تقول أنه كل ما هو ممكن تصوره "عقلانياً" بالإمكان أن يكون موجوداً، إذاً الزومبي من الممكن إيجادهم.


تطور معرفتنا بالمخ البشري


"إن معرفتنا بطريقة عمل المخ تنمو نمواً أُسّيّاً. تركيب المخ ليس بالتركيب اللانهائي. إنه كيان مركب جداً، لن نتوصل إلي فهم كلي له خلال عملية اختراق واحدة بسيطة، ولكننا نتقدم في فهمنا لمبادئ تشغيل المخ بأكثر مما يدركه معظم الناس. تتنامي أُسّيّاً تكنولوجيا مسح المخ البشري؛ كما تتنامي قدرتنا علي أن نري بالفعل أنماط التوصيلات الداخلية، ونحن ننشئ المزيد والمزيد من النماذج الرياضية التفصيلية للعصبونات البيولوجية. لدينا بالفعل نماذج رياضية تفصيلية جداً لعشرات عديدة من مناطق المخ البشري، وطريقة عملها، وقد أعدنا تخليق مناهجها باستخدام الحوسبة التقليدية. وخرجت لنا نتائج من هذه النماذج التخليقية لمناطق المخ التي اُعيدت هندستها أو اُعيد تجهيزها تضاهي المخ البشري مضاهاة دقيقة جداً.
نحن أيضاً نصنع إحلالاً لأجزاء المخ التي تتحلل أو تتوقف عن العمل بسبب أوجه عجز أو مرض. هناك عمليات زراعة أعصاب لمرض "باركنسون" وعمليات زرع لقوقعة الأذن في حالة الصمم. ثمة جيل جديد بازغ من هذه القواقع للزرع يوفر ألف درجة من الوضوح في الترددات، سوف تتيح للأفراد الصم أن يسمعوا الموسيقي لأول مرة. تحل العصبونات المزروعة في مرض باركنسون محل عصبونات قشرة المخ التي دمرها المرض. وبالتالي فقد أوضحنا أن من الممكن فهم مناطق للمخ البشري والجهاز العصبي وأن نعيد تجهيز هذه المناطق بواسطة حوسبة تقليدية إلكترونية تتفاعل مع المخ وتؤدي تلك الوظائف.
إذا تابعنا هذه التطورات واستنبطنا ما فيها من رياضيات، سيكون السيناريو الذي نتحدث به محتفظاً إذا قلنا إننا خلال ثلاثين سنة -أو ربما خلال زمن أسرع كثيراً- سيكون لدينا خريطة كاملة للمخ البشري، وستكون لدينا نماذج رياضية كاملة عن طريقة عمل كل منطقة، وسوف نتمكن من إعادة تنفيذ طرائق المخ البشري، التي تختلف تماماً عن طرائق كثيرة مما يُستخدم في الذكاء الإصطناعي المعاصر. ولكنها تماثل الطرائق المستخدمة في المجال الخاص بي، مجال إدراك النمط، وهو أحد القدرات الأساسية للمخ البشري. مازلنا لا نستطيع التفكير بالسرعة الكافية لأن نحلل المواقف المنطقية تحليلاً سريعاً، وبالتالي فإننا نعتمد علي قدرتنا علي التعرف علي النمط. سوف نتمكن خلال ثلاثين عاماً من تخليق ذكاء غير بيولوجي يقبل المقارنة بالذكاء البشري.
سيكون عملنا أن نوفر له طريقة للتعليم، بما يماثل تماماً ما يجري في النظام البيولوجي، ولكننا هنا نستطيع أن نحشد بعض مزايا ذكاء الماكينة بمجرد أن تتقن إحدي الماكينات مهارات معينة، فإنها تستطيع عندها تطبيق هذه المهارات بسرعة ودقة أكبر كثيراً مما عند البشري غير المدعومين بها. يستطيع كمبيوتر ثمنه 1000 دولار أن يتذكر بليون من الأشياء بدقة، بينما يعاني أغلبنا من صعوبة في تذكر حفنة من أرقام التليفونات. الماكينات بمجرد أن تتعلم شيئاً، فإنها تستطيع أيضاً أن تشرك الماكينات الأخري في معرفتها هذه ليس لدينا منافذ سريعة للنقل والتحميل علي مستوي أنماط التوصيل ما بين العصبونات ومستوي ما لدينا من تركيزات للمواد الناقلة العصبية، وبالتالي فنحن وحسب لا نستطيع نقل المعرفة تحميلياً. فأنا لا أستطيع أن آخذ معرفتي بالفرنسية وأنقلها بالتحميل إليك، أما الماكينات فتستطيع أن تتشارك إحداها مع الأخري في أنماط معرفتها. نستطيع أن نُعلم الماكينات بعملية تكون أسرع مئات أو آلاف المرات من العمليات المماثلة في البشر. تستطيع عملية كهذه أن توفر لإحدي الماكينات تعليم عشرين سنة بالمستوي البشري وذلك في فترة ربما تكون من أسابيع أو أيام معدودة، ثم تستطيع تلك الماكينات التشارك فيما تعرفه.

ونجد في النهاية أن الدلالة الأساسية لكل هذا هو دعم ذكائنا البشري. سوف نصل إلي أن نضع هذه الماكينات داخل أمخاخنا. بدأنا الآن نفعل ذلك، في أفراد لديهم مشاكل طبيه و أوجه عجز شديدة، ولكن هذا سيحدث في النهاية لنا كلنا؛ سنتمكن بغير جراحة من أن ندخل ماكينات مهندسة نانوية داخل تيار الدم وتستطيع هذه الماكينات أن تمر من خلال الشعيرات الدموية للمخ. هذه الروبوتات الذكية الدقيقة الحجم أو "النانوبوتات" التي في حجم خلية الدم، سوف تكون قادرة بالفعل علي الذهاب إلي المخ وعلي التفاعل مع العصبونات البيولوجية. ونجد أنه تم بالفعل البرهنة علمياً علي أن من الممكن أساساً أن يحدث التواصل في كلا الإتجاهين بين الأجهزة والعصبونات البيولوجية.
ومن هذا نجد أن معرفتنا بالمخ تسير إتجاهاً سريعاً سوف تجعلنا نصل إلي العديد من الإكتشافات المستقبلية تجاه الذكاء الإصطناعي و فلسفة العقل"..

إفتراض وجود عدة آلهة - بالعامية المصرية


فرضية وجود عِدة آلهة About polytheism hypothesis.

  • ليه تعبد إله واحد؟ لمّا ممكن تعبد 10،20،30 إلي مالانهاية من الآلهة؟
    - هاتيجي تقول لي : ماينفعش يبقي في أكتر من إله، لأن لازم يكون في مُحرّك أول أو عِلة أولية واحدة إنبثق منها الوجود ككل، وإلا لو في أكتر من إله هايتحول من واجب الوجود إلي ممكن الوجود.
    هأقول لك: مجرد إفتراضك بإن في إله واحد علشان "فقط" إفترضت إن الإله "واجب الوجود" و إن الكون لازم ينتج من إله واحد، دا مش دليل كافي علي إفتراضك، أنتَ مُجرّد بتفترض، بدون ما تُثبت، يَعني وضعت مُقدّمة كُبري في قياس "كإفتراض" فقط و هيَّ "ان الكون لابد له من إله واجب الوجود"، أنا بإمكاني أيضاً تغيير المُقدمة إلي "ان الكون قد يأتي من عِدة آلهة واجبة الوجود" و القصد هنا أنهم أوجدوا أنفسهم، ولم يوجدهم أحد، و إلا طبعاً هايتحولوا إلي آلهة ممكنة الوجود.
    إذاً (مقدمة رقم واحد: إفتراض أكثر من إله واجب الوجود)
    لذلك ليه مايكنش في عِدة آلهة؟ و كُل إله مُتفق مع الإله الآخر و مُتّسق معاه، بحيث يكون الكون مُنظّم و مُنسّق - علي حسب إفتراضك بإن الكون فعلاً مُنظّم - ؟!
    هاتقول لي "المركب إلّي عليها ريسين بتغرق"، والكون هايفسد لو في أكتر من إله..
    هأقولك "الكون" مش "مركب"، ولا "الإله" "ريس"، خد بالك إن التشبيه غير منطقي بتاتاً.
    يَعني أنتَ بتتكلم عن "إله" يَعني بالتأكيد هايكون لا مُتناهي القوي، كُلّي المعرفة.
    و "قد" يكون هُناك "إله" أقوي من هذا الإله الغير مُتناهي القوي مُتسق مع الإله الأقل مِنه في القوي، أو لو حبيت تفترض، قد يكون هُناك أكثر من إله متساويين في القوي، و عايشين طبيعي جداً، وبالطبع سأظل أفترض معك - و ليس بالضرورة أن أقف عِند إله واحد - مادام إحنا بنتكلّم في فرضيات خارج الوجود، يبقي ممكن أصنع لك عشيرة من الآلهة، و كمان مُتسقين مع بعض في إختياراتهم و إتجاهاتهم، و بعدين "أستغفر الله العظيم" قد تكون لحِكمة لا يعلمها إلا الآلهة، أنتَ عايزني أفكر فيهم أكتر علشان أكفر بيهم! - مش دا كلامك - ؟!
    دا حتي فرضية وجود أكثر من إله، يتوافق منطقياً مع البلبلة الدينية الموجودة، وتعدد الأديان إلّي سيادتك بتفترض إن في بس 3 ديانات علي وجه الأرض همَّ اللي علي حق، والباقي أديان طبيعية - بشرية - مش جايه من عند الله. لكن أنا بقي علشان شخص منطقي، هأقولك "قد" يكون هُناك أكثر من إله، و كل إله بعث بدين مُعين، و لكن كل إله إختار "ميعاد مُحدد"، و أنبياء مُحددين ينشرون أديانهم... وكل إله له ثواب و عقاب مُعينيين، بإختلاف كل دين طبعاً، كل إله علي حسب دينه، -أقصد- كل دين علي حسب إلهه!
    دا حتّي "السببية" إلّي أنتَ بتفترض جدلاً إنها بتثبت وجود إله واحد فقط، بإمكاني أنا أيضاً تطبيقها للوصول إلي عِدة آلهة.
    هاتقولي "غير منطقي إفتراضك، لأن زي ما قال العلّامة مصطفي محمود، لو طبقت السببية علي الله، ستجعل منه خالقاً و مخلوقاً، و أيضاً اننا لا نستطيع تطبيق عليه السببية لأن الله غير خاضع لقوانين مخلوقاته"
    أولاً زي ما قلت لك مُسبقاً، نفترض وجود عِدة آلهة، كل إله واجب الوجود لذاته، لم يُحدثهم أحد، ومن ثمَ تطبيقي للسببية، ليس معناه أنهم تم إحداثهم عن طريق إله أو مُسبب آخر، بل أن السببية هُنا تُعرّفنا فقط وجود "واجبات الوجود" الذين هُم مُحدثين لذاتهم، غير مُتأثرين بالسببية، و ذلك لأن إستخدام السببية هنا لن يكون بين "حادث" و "مُحدث" بل سيكون بين "مُحدثين لنفسهم" وسيُعرّفنا إستخدام السببية فقط آثار وجودهم والتي منها سنستطيع إثبات وجودهم، و التي تستغلّها أنتَ أيضاً لإثبات وجود هذا الإله الواحد واجب الوجود.
    هأبسطها لك :-
    "س" إله لا مُتناهي القوي، واجب الوجود لذاته.
    "ص" إله لا مُتناهي القوي، واجب الوجود لذاته.
    "ع" إله لا مُتناهي القوي، واجب الوجود لذاته.
    إستخدامي للسببية هنا لن يحولهم إلي "ممكني الوجود"، بل فقط سيُعرّفنا وجودهم عن طريق آثارهم في الوجود أو الواقع الذي نَعيش فيه.
    زي ما أنتَ بتستدل بالسببية علي وجود إله، أنا ممكن أستدل بالسببية علي وجود أكتر من إله، و بالطبع لن أستخدم السببية "عليهم" ولكن سأستخدمها للوصول "إليهم".
    و لا تنسي أن "س+ص+ع" كُلّهم متساويين مع بعضهم البعض، و زي ما شرحت مُسبقاً إمكانية وجود عِدة آلهة عايشين في سلام وأمان...
    (مقدمة رقم اتنين: تساوي أكثر من إله من حيث اللانهاية)
    لذلك الكون لن يحتاج بالضرورة إلي إله واحد أو لا مُتناهي واحد، بل قد يكون منطقياً جداً وجود لا مُتناهيات كل لا مُتناهي فيهم واجب الوجود.
    (نتيجة: وجود أكثر من إله متساوي القوي من حيث اللانهاية)


    و في النهاية زي ما أنتَ بتفترض أننا لن نستطيع أبداً رصد ماهية الله، ولكن سنستطيع فقط الإستدلال علي آثاره في الوجود، أنا بأقولك إننا لن نستطيع إلي رَصد ماهية الآلهة، ولكن نستطيع الإستدلال علي آثارهم في الوجود


    Alexander Klashnekoff

نظرة حيادية بين العلم والفلسفة.


الفلسفة هي "البحث عن العلل البعيدة للظواهر".
الكثير من الأشخاص يظنون بهذا التعريف أن الفلسفة، تبحث "فقط" في العلل التي لا صلة لها بالمجتمع، والتي لا صلة لها بالظواهر الطبيعية،   و لا صلة لها حتي بالأحداث التاريخية.
حتي أصبح الكثيرون يظنون أن الفلسفة، ضرباً من الخيال، الفيلسوف في نظر البعض هوَّ الذي يقوم بتنشيط خياله و البحث في ما وراء الوجود فقط، أو أن الفلسفة هيَّ الدين، أي البحث في وجود الله أو البحث في العلة الأولية من أجل زيادة الإيمان بالله، أو حصر الفلسفة فقط في وعاء "الميتافيزيقا".

هذا التعريف، ليس كما يظنّه البعض، ولكن القصد منِه هو التعمْق في "الواقع" وظواهره، أي التعمق في الوجود بكل ما فيه، من أجل البحث عن معني شامل لهذه العلل و حلول لهذه الظواهر، بإستخدام منهج منطقي و فلسفي. العلل البعيدة هنا، لا تعني علل ما وراء الوجود، أو العلل التي تقوم بإبعادنا عن المشاكل والأفكار التي تتصل بالواقع الذي يُحيط بنا، بل تعني إلي تعميق التفكير في هذه العِلل، البحث في ما وراء هذه العِلل، و البحث في عِلاقة الإنسان بالكون، وعِلاقته بالمُجتمع الذي يعيش فيه، وما هي المعايير التي يستخدمها الإنسان في حياته، وكيف يجب أن تكون حياته، و الفيلسوف تجده إبن عصره تماماً، ليس فقط من ناحية التيارات العلمية السائدة فيه بل من ناحية التيارات السياسية والأدبية والفنية والإجتماعية والإقتصادية، وقد تري بعض الفلاسفة لا يعتمدون علي المنهج العِلمي أو العلوم الطبيعية لتفسير بعض العِلل، و ذلك راجع إلي أن الفلسفة نجدها تتعدي حدود مجال العلوم الخاصة أو العِلوم الجُزئية، لأنها أكثر شمولية وكُليّة عنها.

إن طبيعة الفلسفة توصف بأنها كُلِّيِّة، لا بإعتبار أنها حصيلة أو حاصل جمع بعض النظريات الجزئية الخاصة التي يستقل بها العلماء التجريبيون أو غيرهم، بل بإعتبار أنها تمثل زاوية شمولية يطل منها الفيلسوف علي الوجود والحياة.
لذلك الفلسفة ليست ضرباً من ضروب الخيال، أو تأمل صوفي، فلا يمكنك أصلاً حصر الفلسفة تحت تعريف واحد أو مفهوم واحد، لأن الإنسان لا يصل إلي تحديد موضوع دراسته، وتعريفه تعريفاً شاملاً إلا بعد أن يكون قد ألمَّ بمختلف ميادينه، ولمس المشكلات التي يُعالجها، والإنسان لم يَصل إلي حد الكمال في الفلسفة بعد، ولذلك مُحاولة جمع الفلسفة تحت تعريف واحد تُعتبر نظرة غير موضوعية وسطحية للغاية.
لذلك هُناك العديد من المناهج التي تستطيع إستخدامها - علي سبيل الأمثلة و ليس الحصر - إذا أردت أن تكون مُفكراً مثالياً أو مادياً يُمكنك إستخدام الفلسفة المثالية أو الفلسفة المادية، فكما نجد العِلم يتطور، فالفلسفة أيضاً ومناهجها تتطور.
و بالتأكيد هناك الكثير من العلوم التي إنفصلت عن الفلسفة، ولكن هذا يَعني أنها إنفصلت كُليّاً عنها، فهذه العلوم مازالت تستخدم الكثير من الفرضيات الفلسفية، و نجد أن الكثير أيضاً من الفلاسفة الذين يستخدمون المناهج العلمية كما وضّحت مُسبقاً.
الفلسفة ليست عِلم و العكس صحيح، لا نستطيع أن نُقلل من إحداهما علي حِساب الآخر، ولا يُمكن أبداً أن نستغني عن إحداهما، ولكن في نفس الوقت يجب أن لا ننسي الفروقات بينهما، فنجد أن الفلسفة ليست تابعة للعلم، فالفلسفة لها ميدانها الخاص وهذا الميدان لا يُمكن لأحد أن يصل إلي حد الكمال فيه.

لستُ هنا مُدافعاً عن الفلسفة، ولا مُدافعاً عن العلم، ولكن أحاول فقط أن أنظر نظرة موضوعية وبحيادية واضحة تجاه العِلم والفلسفة.

العلاقات بين الرجل والمرأة في ضوء فلسفة الحب


 أي إمرأة او رجل هم في الأساس عبارة عن عمل فني طبيعي، ولما كان الموضوع الأساسي لعلم الجمال هو "العمل الفني"، إذاً لا يوجد شك أن العمل الفني هنا يظهر لنا بإعتباره موضوعاً جمالياً.
و من المُفترض أن أي عمل فني لابد أن يكون له وحدته المادية الخاصة به، الذي يُعتبر المظهر الحسي للموضوع الجمالي، كذلك المرأة و الرجل، من المُفترض أن يكون لهما وحدة مادية خاصة بها، تعبر عن مظهرها الجمالي، فأي إمرأة أو رجل لا يمكنهما أن يكونان عملاً فنياً إلا إذا إكتمل عناصرهما ومكوناتهما الأساسية، علشان نقدر نقول علي العمل ده بإنه عمل فني جمالي.
أي إمرأة أو رجل كما قلنا هم عبارة عن عمل فني خالص، أي كان جنسيتهما، مكانتهما الإجتماعية، الحالة المادية.. إلخ،
لابد أن يكون لهما مُكونات أساسية تُشكّل بنية شخصيتهما، والمكونات دي هيَّ
(المادة، الصورة الجمالية، المضمون، الخيال، التعبير الجمالي)
وهأحاول أشرح كيف يستفيد الرجل والمرأة من هذه المكونات الأساسية، حتّي يُعبروا عن عملهما الجمالي:-
لكن قبل ما أشرح المكونات دي عايز أقول بعض الملاحظات
مش من الضروري ان تَكون المرأة أو الرجل تبعاً للموضة مثلاً، مش ضروري يختاروا ملابس بآلاف الجنيهات، مش ضروري يختاروا أشياء مصطنعة للتعبير عن مضمونهما الجمالي، إلا لو هم أرادوا..
في أشياء ذاتية موجودة في الرجل والمرأة بسيطة جداً، بتعبر عن مضمونات جمالية عظيمة
ممكن يكون شكل كلامك، ممكن يكون شكل حُزنك، شكل إنتقاءك للملابس، شكل تعبيرك عن أفكارك، شكل المشي، شكل الضحك، شكل غضبك، شكل نظراتك، كل دي أشكال جمالية بسيطة وذاتيه وموجودة في أي إنسان عموماً، لكن الأشياء الذاتية البسيطة دي، بحاجة إلي ترتيبات وإنتقاء وجهد "بسيط" لمُحاولة إستخدام هذه الأشكال للتعبير عن العمل الجماليو كما هو شائع دائماً، لا يوجد إمرأة أو رجل قبيحين... أبداً، ولكن هُناك إمرأة أو رجل لا يستطيعون إنتقاء وترتيب الأشكال الجمالية، أو هم لا يحاولون أن يرتّبوا هذه الأشكال لعدة أسباب؛ علي سبيل المثال هم قد يعتقدوا أنهم قبيحون إذاً بالتالي لا يهتمون بأناقتهم ولا من الضروري ان يهتموا بمظهرهما، ولا حتّي بطريقة إنتقائهما للكلمات والتعبيرات، أو ممكن خوفاً من المُجتمع الذي حولهما لذلك لا يحاولون أن يهتموا بمظهرهما جيداً، وتختلف الأسباب بالطبع من مجتمع لآخر..
 
و إضافة علي ذلك، هأبدأ في شرح المكونات الأساسية التي بإمكان المرأة أو الرجل إستخدامها للتعبير عن عملهما الجمالي
(ملحوظة: المكونات التي سيتم شرحها علي المرأة بالمثل يجب عملها مع الرجل)

أولاً المادة:-
ضروري جداً وجود مادة أساسية أو واسِطة مُعينة تنقل بها المرأة تعبيراتها إلي الآخرين، علي سبيل المثال "الكلمات" وإلّي بتتكون من مفردات اللُغة وإلّي بتعبر عنها المرأة مع من هم حولها، وبالتأكيد هذه المادة لابد أن يكون لها "قوانين" خاصة لازم تتبعها المرأة علشان تقدّر تعبر بطريقة جمالية: علي سبيل المثال المرأة التي تتحدث مع والدتها، لا تستخدم نفس الكلمات التي تتعامل بها مع حبيبها، وليست هي التي تستخدم نفس الكلمات التي تتعامل بها مع السائق كمثال، هاتلاقي في إختلافات مُتعدده لذلك يجب أن يكون هُناك قوانين مُحددة؛ و إضافة لتنوع المادة الموجود، لازم يكون في إحترام أثناء التعامل وإحترام أثناء إستخدام المادة والتي هيَّ علي سبيل المثال "الكَلِمات".
لكن بإختلاف وتنوع الأشخاص إلتي تتعامل معاهم المرأة، لابد أن يكون هناك مواد مشتركة بينهم بكل تأكيد، لأن البشر مهما إختلفوا لابد أن يكون بينهم أفكار وتعبيرات مُشتركة، مع ملاحظة طبعاً طريقة تعبير كل شخص علي حدي. وبالطبع هُناك عِدة وسائط مادية، لكن إخترت الكَلِمات، لأنها مكون أساسي في البشر عموماً، وطريقة إلقاءها بيكون تبعاً لإرادة المُتحدّث. لذلك يجب أن يكون هناك علاقة سيكولوجية بين المرأة والمادة إلتي تعبر بها عن ما بداخلها، لازم يكون في علاقة من الألفة والحب، لأن المرأة التي لا تشعر بكيفية مخارج الألفاظ أو كيفية خروج الكلمات، لن تشعر بعذوبة الكلمات، وبالتالي كلامها كُلّه ولا هايكون له أي قيمة، سواءً لها أو للمُتلقي، وبالتالي ممكن يتفهم خطأ، وغير كدا، الكلمات التي تخرج منها تتحول من وجودها الجسماني في إدراك المتذوق إلي إحساسات مدركة "شئ حسي"، بيعبّر عن مضمون جمالي بيُثير الوجدان في ذهن المُتلقي، وبتختلف بالطبع الإدراكات دي في الذهن من مُتلقي إلي آخر.

لكن، هل إذا توافرت للمرأة القُدرة علي إمتلاك الوسيط المادي فقط، تُصبح عملاً جمالياً؟
الحقيقة هنا، أن الوسيط المادي لا قيمة له ما لم ينتظم بصورة مُعينة، يُطلق عليها "الصورة الجمالية" أو "الشكل الجمالي"، وهيَّ المكون الرئيسي الثاني لأي عمل فني

ثانياً: الصورة الجمالية:-
الصورة الجمالية، أو الشكل الجمالي كما يُطلق عليه البعض أحياناً، هيَّ أساس أي نشاط جمالي. ويمكن تعريفها هنا علي إنها : "عملية إنتقاء وتنظيم لمادة مستمدة من الطبيعة أو من الحياة الإنسانية". فقد تكون المادة أو الوسط إلّي بتعبر المرأة به عن جمالها، أفكار أو عواطف أو أشكال الملابس
وهذه وسائط المادية، بتبقي ثمرة إنتقاء وتهذيب للعناصر المادية المحسوسة التي عبّرنا عليها ببعض الأمثلة مُسبقاً

وبالتأكيد، أغلبية البشر، بيهتموا جداً بالشكل الجمالي، و يمكن أغلبهم حالياً، بيتغاضوا عن أي مميزات أخري موجودة في المرأة  وبيهتموا بالشكل الجمالي فقط، و طبعاً هناك معايير مُختلفة بتختلف من شخص لآخر، والشكل الجمالي عُنصر أساسي وضروري

لكن هل مُجرد إنتقاء وتنظيم عناصر الوسائط المادية تكفي وحدها لتكوين صورة جمالية للمرأة ؟
بالتأكيد لأ، لازم يكون في غاية من هذا الإنتقاء والتنظيم، والغاية دي بتكون إثارة الإنفعال "الجمالي" لدي المُتلقي، علي سبيل المثال، الرسام إلّي بيرسم الصورة : لابد للصورة أن تتركب من علاقة الخطوط والألوان والتي غايتها تحريك وجداننا وإنفعالنا الجمالي
أنا مش بأشبه المرأة هنا بشئ غير عاقل وهي الصورة، بالعكس، أنا بأشبها بالرّسام إلّي بيستخدم وسائط جمالية مُتعددة من أجل غاية مُحددة، وهيَّ التعبير عن الشكل الجمالي
بالتالي الشكل الجمالي بيترتب عليه إنفعال جمالي، زي ما ضربنا مثال وشبهنا المرأة بالرسّام، لازم يكون في دِقة وتنظيم في إختيار الوسائط، وإلا مش هايكون في تذوق للعمل الجمالي، ولا هايكون له أي تأثير، ومثال آخر
لو في طفلة ضرب علي البيانو عِدة ضربات غير مُنتظمة و بدون ترتيب، ماحدّش هايفهم منها حاجة، لكن إذا نُظّمت هذه الضربات تنظيماً مُعيناً بحيث يُستخرج منها إيقاع أو نغمة مُحددة، عندئذ سوف تكتسب هذه الضربات صورة جمالية.
كذلك المرأة إلّي بتعمل عملية إنتقاء للملابس علي سبيل المثال، لو مافيش تذوق في الإختيار ولا في ترتيب مع الملامح، مش هايبقي في أي لازمة للشكل الجمالي، لأنه غير مُنظم، وأي شخص ممكن مايجيش في باله أي تذوق جمالي نهائي
وبالتأكيد الملابس قد يرتبط بمادة أو وسيط آخر، وهيَّ "الكلمات"، يَعني مثلاً بنت مظهرها جميل وأنيق، ممكن تستخدم وسيط مادي آخر زي العبارات إلّي بتُثير في وجداننا الإنفعالات أو عِدة أفكار جمالية.
لذلك هاتلاقي جزئية كبيرة من البشر لا يقتصر إحساسهم علي الصورة الجمالية للمرأة، بل يتعداها إلي غيرها من إحساسات أخري.
أما أنتَ لو حابب تكون متذوق للشكل الجمالي ده، ضروري تفهم العلاقة بين الوسائط المُتعددة إلّي بتستخدمها الأنثي، للتعبير عن شكلها الجمالي، وإضافة إلي ذلك، لازم تفهم إن المرأة بتستخدم موضوع مُركّب بيدخل فيه أكتر من عنصر حسي و شكل جمالي، لذلك عِندما تري مرأة جميلة علي سبيل المثال، ماتروحش تتحرش بها، لأ، ولا تعتمد علي القيم السائدة في المُجتمع زي القيم الدينية، وتقول "البنت دي مش مُحجّبة يبقي لازم تكون غير أخلاقية" لأ طبعاً، لأن تذوقك الجمالي، لازم يكون ذاتي ونابع من الوجدان، غير متأثر بأي شئ آخر غير الشكل الجمالي ذاته، حتي ترتقي وتُصبح متذوق فعلياً، ببساطة: اتّبع شعورك الجمالي.
لكن برضوا دا مايمنعش إن في قيم وعادات وتقاليد بتؤثر علي المظهر الجمالي للمرأة، زي الحجاب مثلاً، لكن دا لا يمنع أيضاً إن في نساء بيستخدموا الحجاب وفي نفس الوقت مُتسقين مع الوسائط الجمالية الأخري حتّي يُعبروا عن الشكل الجمالي.
أما لو مُنتقبة، يبقي دي مش عايزه تقييم جمالي، دي عايزاك تنتحر.

النهاية:
من أجل أن تظهر المرأة صورتها الجمالية، لابد أن تتوافر فيها عِدة شروط أو مبادئ أساسية
وعلي سبيل المثال وليس الحصر
(مبدأ الوحدة العضوية، مبدأ التنوع)

مبدأ الوحدة العضوية:
من اسمه هاتلاقي معناه أن تكون كل الوسائط الجمالية مرتبطة فيما بينهما لتكون عملاً جمالياً كاملاً، بمعني أن لا تكون المرأة ناقصة أو مُفتقرة لشئ يُضاف إليها حتي يتم إكتمالها، أو تزيد فيها أجزاء أو أشياء لا داعي لوجودها
والمبدأ ده بيقتضي تحقيق الوحدة بين الشكل الجمالي ومضمون المرأة الجمالي، وكل العناصر إلّي بتستخدمها المرأة ينبغي أن تخدم بعضها بعضاً

مبدأ التنوع:-
وحتّي لا يكون الموضوع الجمالي وحده مُنفرداً ويبعث الملل لدي المتذوق.
لازم يظهر المبدأ الثالث، وهوَّ مبدأ التنوع، وهذا المبدأ ينص علي أنه لابد للعمل الجمالي التي تكونه المرأة له تنوعات مُختلفة. وقد يكون أبسطها تكرار الفكرة لكن بشكل مُختلف، وليس بنفس الشكل
علي سبيل المثال الموسيقي يَقوم بتكرار اللحن الغالب لكن علي مستويات مُختلفة (من الهادي إلي الصاخب أو العكس)
وطبعاً المثل دا بينطبق علي الأفكار والشكل والمضمون، لأن وجود الشئ بصفة مُستمرة علي نفس الشكل، بالتأكيد هايبعث الملل، يبقي لازم في تنوع وتغيير، وبمناسبة التغيير، ممكن إدخال أكثر من موضوع أو فكرة جديدة، لكن لابد أن يكون في توازن من حيث الإختيارات، حيث لا يكون لشئ الغلبة علي شئ آخر، بل كُل الوسائط تُكمّل بعضها، وتهدف إلي غاية جمالية واحدة، تتحدد عن طريق المرأة نفسها، وبإختيارها...

وصايا التفلسف العشر لبيرتراند راسل.


أولاً نبتدأ بتعريف معني وصية في قاموس اللُغة العربية.
الوَصِيّةُ : مايوصَى به . والجمع : وصايا.

هذه الوصايا ليست مُقدّسات أو أصنام يتم الرجوع لها أو الإستدلال بها لإثبات قضايا بعض الأمور، ولكن هذه فقط بعض النصائح التي قد تُساعد الشخص الذي يبدأ في دراسة الفلسفة، من أجل التفلسف.

و معني "تفلسف" في قاموس اللُغة :-
[ ت ف ل س ف ]. ( فعل : خماسي لازم ، متعد بحرف ). تَفَلْسَفَ ، يَتَفَلْسَفُ ، مصدر تَفَلْسُفٌ .
" بَدَأَ يَتَفَلْسَفُ ": يَتَحَدَّثُ فِي مَوَاضِيعَ فَلْسَفِيَّةٍ أَوْ يَتَحَدَّثُ فِيهَا بِلُغَةِ الفَلْسَفَةِ وَالحِكْمَةِ . 

سوف أقوم بعرض الوصايا، باللُغة العربية و اللُغة الإنجليزية، لأن هُناك بعض المعانِي التي قد لا تتشابه من حيثُ الدلالة.
بداية سأقوم بسرد الوصايا باللّغة العربية :-


1- عليك أن لا تعتقد أنك متيقن من أي شئ.
2- لا تتوهم جدوي تحقيق الإيمان بالإعتماد علي إخفاء الأدلة، لأنها ستظهر واضحة يوماً ما بدون شك.
3- لا تحاول إحباط أو تثبيط همّة هؤلاء الراغبين في التفكير، لأنك ستنجح فعلاً في هذه المحاولة.
4- عندما تلقي أي معارضة حتي من أقرب الناس لديك فلا تحاول التغلب عليهم بالرجوع إلي السلطة، ولكن باللجوء إلي الحجج.
5- لا تعتمد علي رأي الآخرين و تثق في آرائهم ثقة مطلقة، لأن هناك دائماً مصادر موثوق منها ولكنّها متعارضة.
6- لا تستعمل القوة لقهر الآراء التي تراها ضارة فلو فعلت ذلك، فستنجح هذه الآراء في قمع آراءك يوماً ما.
7- لا تخشي ان تبدو معتقداتك خارجة عن المألوف لأن كل رأي مقبول الآن قد بدي غريباً يوماً من الأيام.
8- يجب عليك الإستمتاع بما حدث من خلاف ذكي، فذلك أنفع من القبول السلبي لآراء الآخرين.
9- إحرص تماماً علي الصدق حتي وإن بدي غير مقبول لأن محاولة إخفاء الحقيقة، أشد إجهاداً لك، وسيكون لها عواقب شديدة.
10- لا تحسد هؤلاء الآخرين الذين ينعمون بالغفلة، بإعتبارها السعادة، لأن الأحمق وحده من يعتبر هذه الحالة هيَّ السعادة.



Bertrand Russell’s Ten Commandments for philosophize
1: Do not feel absolutely certain of anything.
2: Do not think it worthwhile to produce belief by concealing evidence, for the evidence is sure to come to light.
3: Never try to discourage thinking, for you are sure to succeed.
4: When you meet with opposition, even if it should be from your husband or your children, endeavor to overcome it by argument and not by authority, for a victory dependent upon authority is unreal and illusory.
5: Have no respect for the authority of others, for there are always contrary authorities to be found.
6: Do not use power to suppress opinions you think pernicious, for if you do the opinions will suppress you.
7: Do not fear to be eccentric in opinion, for every opinion now accepted was once eccentric.
8: Find more pleasure in intelligent dissent than in passive agreement, for, if you value intelligence as you should, the former implies a deeper agreement than the latter.
9: Be scrupulously truthful, even when truth is inconvenient, for it is more inconvenient when you try to conceal it.
10. Do not feel envious of the happiness of those who live in a fool’s paradise, for only a fool will think that it is happiness.
By: Alexander Klashnekoff.

بين البحث عن الذات و واقع البين-ذاتية.

إننا نعيش معا و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننفصل. إن ما يعذبنا معا "الأنا" و هذا "الآخر" هو اشتراكنا في بداهة وحيدة: لكل منا ذات. هذا ما يجعلنا نتلاصق و نتنافر في وقت واحد. إن هذا الآخر يمكن أن يتجدد في معان كثيرة، فهو من جهة أنطولوجية وجود مغاير و مخالف لوجودي و كينونة قائمة بذاتها تتقاطع مع وجودي الخاص. وهو من جهة فينومينلوجية "وعي آخر" لأن الوعي بالذات يكون وعيا مساويا لنفسه، موضوعه الوحيد هو "الأنا" و بدوره يكون الوعي الأخر حاملا لموضوع وحيد و هو "الآخر". هذا ما ينشأ عنه "صراع الإعتراف" بعبارات هيغل و عندها يتسم كلا الوعيين بالصراع و محاولة إثبات الذات لأن كليهما ينظر إلى الآخر بصفته "موضوع" و هنا يمكن أن نطرح حالة الحب: إن الحب كحالة يختلط فيها الوعي باللاوعي في لحظات مختلفة، يجعل الذات تفسح المجال للأخر عن طريق فتحها لأبواب وعيها الذاتي مما يمحي صورة تقابل الوعيين وجها لوجه يحث يهدد كل واحد منهم الآخر بل ترسم صورة جديدة تعبر عن تقاطع الوعيين و اشتراكها في مساحة "البين-ذاتية". يقدم جون بول سارتر شرحا لمختلف طرائق الوجود عند الإنسان و هي ثلاثة: اولها الوجود في الذات و يتصف باللاوعي و اللإدراك حيث يحدث أحيانا أن ننكر أنفسنا أمام المرآة، أما الثاني فهو الوجود للذات: وهو الوجود الذي يتضمن الإنسان في وحدته و انعزاله و يظل هذا الوجود منقوصا في إنتظار دخوله مرحلة التواصل مع الآخر. و لهذا السبب بالذات يرسل وجودنا هذا إشارات نفسية في حالة الشعور بالوحدة و عدم التواصل و انعدام وجود أشخاص يؤثثون حياة الفرد. ثم يأتي الوجود الأخير الذي تحدث عنه سارتر و هو الوجود الذي تقوم عليه كل الصراعات و التوترات الإنسانية وتقوم عليه أيضا كل علاقات الحب و التضحية و الأمومة و هو"الوجود للغير": إن هذا الوجود هو في آن "صراع" تخوضه الأنا ضد الهم و ذلك بهدف فرض الذات، وهو أيضا "عطاء" تقوم به الذات لتتحقق. إننا تعساء جدا حيث لا يمكن لنا في أي حال من الأحوال أن نحس بالرضاء التام عن ذواتنا أو أن نحس بوجودنا الفعلي في الحياة دون "العطاء" أي دون تقديم المشاعر و المساعدة و الحب  و التضحية من أجل الآخر.
فهذا العطاء هو ما يمكن أن يحقق توازننا و يحدد وجودنا، إنه من الغريب جدا أن يتحكم "الصراع" و "العطاء" في علاقة الأنا بالآخر، كأنهما حبلين يجذبان الأنا في إتجاهين متناقضين بهدف تحقيق وجودها. إن هذا الأخر يفتح التأويلات حيث ما يمكن أن تكون عليه ذاتي الآن-تدخل هذه "الآن" ضمن مسلمة أن الأنا كينونة متطورة باستمرار-حيث أنني إذا كنت غيورا فسيكشف سلوك غيري عن هذه الصفة بي و عندها سأشرع في التفكير ة سأطرح الأسئلة:لما أتصف بهذه الصفة؟؟و كيف
إن العيش مع الأخر هي عملية صقل و بناء متواصلة حيث تزيل تلك البين-ذاتية الشوائب التي تمسني و تبني مكانها آفاقا جديدة و رؤية جديدة ووجودا يتجدد بالتواصل. فإذا كان هذا الآخر "هو الأنا عينه بما هو غيره" بعبارات بول ريكور و إن كان مرآة يتحدد من خلالها وعي بذاتي و اكتسب عن طريقها مجالا جديدا يسمى "البين-ذاتية" فهذا ينفي حقيقة أن هذه العلاقة البينذاتية تحرم الإنسان من الوجود لذاته حيث كما اشرنا سابقا في تحليلنا لأنواع الوجود عند سارتر: هذا الوجود للذات هو وجود منقوص يظل بحاجة إلى الآخر ليتوازن. عندها تتبادر الأسئلة للذهن: ألا يمكن أن أوجد لذاتي دون الحاجة لهذا الآخر؟؟ ألا يمكن أن أشرع في أن أكون حرا و مستقلا و ذلك عن طريق تخليص نفسي من سطوة الأخر هذه؟؟ ألا يمكن نفي صراع "وعي السيادة" مقابل "وعي العبودية" بعبارات هيغل؟؟ إن ما يحرمني منه هذا الأخر و يمس من كبريائي هو "ذاتي". إنه يشاطرني هذه الذات و يحول دون أن أملكها لوحدي و يمنعني من إكتشاف أنحائها دون وساطته، و إنني في هذا الوضع غير قادر على محوه من دائرة ذاتي. من الأجدر أن نعترف أن الآخر بقدر ما يصور ذاتي بقدر ما يموضعها. إن هذا التموضع هو طاعة لسلطة الآخر و هو نفي للحرية المطلقة التي تنشدها الذات. إننا لا ننفك نحاول جعل الأخر"موضوعا منفصلا عنا" أثاثا يمكن الإستغناء عنه. إن ماقاله سارتر يعبر عن المأساة المشتركة لجميع ذواتنا: "خطيئتي هي مجيئي لوجود يشغله مثلي آخر" إننا نرغب في الآخر في حين أننا نرغب أيضا في اكتشاف كل أركان ذاتنا دون أن يعترض طريقنا هذا "الآخر". إننا عند سماع كلمات مونيه يمكن أن أنغضب حيث يقول"لا أوجد بقدر ما أوجد لغيري و أن أوجد هو أن أحب". إننا ها هنا نقف حيال نفي وجودنا و جعله مرتبطا بالآخر و هو ما يقودنا للجنون. لكننا سرعان ما نرغب في الآخر:ثقافيا، حضاريا، نفسيا، في علاقات الحب و الصداقة و الزمالة: إنه يشاركنا في صنع السعادة حيث أننا لم نستطع إلى الآن تحقيق السعادة الكافية إنطلاقا من ذواتنا فحسب. إننا لا نحققها إلا عن طريق الآخرو هذه الحقيقة لا يمكن أن تكون إلا تأكيدا لما تدور حوله الفلسفة من ركائز حيث لا يمكن أن يتحقق سؤال  بجواب وحيد، لأن ماهية السؤال و استمرارية سبل طرحه من جديد تتوقف عند غليان الأجوبة المتعددة. 

Khouloud Adouli.