1- بدء البحث بشك منهجي إرادي: ويراد بهذا الشك تطهير العقل من كل ما يحويه من أفكار سابقة حول الموضوع الذي يخضع للدراسة، هذا الشك عنصر من عناصر اليقين، يمكّن الباحث من أن يحتفظ بحرية ذهنه كاملة، ويحرره من ضغط الأفكار الخاطئة التي تستبد بتفكيره، وتعوق إنطلاق عقله.
2- إستقاء الحقائق من التجربة وحدها: فالعلم يبحث في ظواهر جزئية تخضع لحواسنا، وبمنهجه الإستقرائي ترتبط هذه الوقائع بعلاقات عليِّة ثابتة، والتثبت من نتائج هذه المعرفة العلمية إنما يكون بالرجوع إلي الواقع، أي بإستيفاء التجربة الحسية وحدها.
و منهج البحث العلمي يحذر من الأخذ بحقيقة يتلقاها عن غيره، إلا إذا قام بتمحيصها بنفسه ما أمكنه ذلك، أو وثق بصاحبها وكانت الحقيقة لا تدخل في إختصاصه. إن شهادة الغير كثيراً ما يفسدها إفتقارهم إلي دقة الملاحظة وسداد التفكير، أو التسرع في إصدار أحكام لا تبررها مقدمات، أو تَحَيُّزهم إلي رأي دون رأي... أو غير ذلك مما يشوّه الحقائق.
3- التسليم مقدماً بمبادئ الحتمية والجبرية (في غالبية الظواهر وليس جميعها): فالظواهر يتحتم وقوعها متي توافرت أسبابها، ويستحيل أن تقع مع غياب هذه الأسباب، وهذه الإستحالة هي ما يسمي بالضرورة، فإذا ثار بركان وأقي بحِمَمه، دلَّت هذه الظاهرة علي توافر أسباب أحدثتها، وهي أسباب طبيعية لا ترجع إلي قُوي خفية أو غيبيات يتعذر التثبت منها بالخبرة الحسية. ومتي توفرت علل ظاهرة، تيسر التنبؤ بوقوعها مقدماً، وهذا التنبؤ هو طابع العلم و روحه، وهو وليد إطّراد العلاقات بين الظواهر، وهو يشهد بأن وقوع الحوادث في نظر العلم ضروري وليس ممكناً أو محتملاً.
4- النزوع إلي التكميم: أي تحويل الصفات والكيفيات إلي مقادير كمية، فإذا عرض الباحث لدراسة الضوء أرجعه إلي طول الموجات وقصرها، وإذ درس الصوت ردّه إلي سعة الذبذبة، وإذا بحث في الحرارة حوّلها إلي موجات حرارية، أو نظر في اللون أحالها إلي موجات ضوئية يحدثها... وهلم جرّا؛ وبهذا يتيسر للباحث أن يعبر عن الخواص الكيفية بمقادير كمية، من أجل هذا كلف العلم بالقياس والوزن، واختُرِعت تيسيراً لأبحاثه آلات وأجهزة تساعد علي تحقيق هذا العرض.
5- إلتزام الموضوعية: ويراد بها إقصاء الخبرة الذاتية لمعرفة الأشياء كما هي في الواقع، وليس كما يشتهي الباحث ويتمني، وفي هذا يختلف العلم عن الفن في كل صوَره، لأن الخبرة الذاتية أساس الفنون والآداب، فالفنان ينظر إلي الشئ الذي يصوره -إن كان مصوراً- أو ينظمه -إن كان شاعراً- من خلال عواطفه وأحاسيسه وإنفعالاته وأخيلته، أما العالم فإن منهجه العلمي يقتضيه أن ينظر إلي موضوع بحثه كما هو في الواقع، إن الفنون ابتداع ذهني تلقائي، وأما العلم فيقوم علي وصف الأشياء وتقرير حالتها كما هي في الواقع، والشخصية الفردية في الفن تحتفظ بذاتها علي مر الزمان، ومن هنا قيل في التفرقة بين شخصية الفنان وشخصية العالم: الفن أنا والعلم نحن! فيما يقول "كلود برنار"، فإذا عرض لدراسة موضوع واحد مجموعة من العلماء، انتهوْا في آخر المطاف إلي نتائج واحدة، وإختلف بعضهم مع بعض حسموا الخلاف بالإلتجاء إلي الواقع، ومحك الصواب عندهم هو "التجربة" التي يمكن تكرار إجرائها -للتثبت من صحة النتائج- بطريقة موضوعية خالصة، أما في حالة الفن فإن المنظر الواحد يصوره الفنانون أو الشعراء في صورٍ شتي أو قصائد متباينة، بمقدار ما يكون بينها من تفاوت وتباين، ويمكن أن تكون عبقرية كل من أصحابها.
6- الحاجة إلي الثقافة الواسعة: بمعني أن يقف العالم علي كل ما يعنيه علي فهم موضوعات علمه، فالطبيب لا يكفيه أن يُلمَّ بعلم الأحياء، وإنما يتعين عليه أن يزاول علمي الكيمياء والطبيعة معاً، ويتعمق دراسة علم النفس، ومن أجل هذا عمدت كليات الطب إلي تدريس علوم مختلفة مساعدة للطب في سنة إعدادية! وبسبب هذا أيضاً ظهرت أكثر مكتشفات العلم علي أيدي شيوخ طاعنين في السن، مثل (داروين - لامارك) ومن إليهما، بل إن "كلود برنار" يوصي من يُعِدّ نفسه لأن يكون عالماً، بأن يتزود بثقافة واسعة في فلسفة العلم